تطورت رحلة الحج خلال نصف القرن الماضي ، ومرت بمتغيرات عديدة جعلتها أكثر سهولة، بعد أن كانت محفوفة بالمخاطر والتعب ، وعندما كان الحجيج قبل أربعة عقود ينتقلون إلى الديار المقدسة بالحافلات العتيقة ، واللواري الخشبية عبر طرق متهالكة، بالكاد تتوفر فيها المحطات ويستنفدون عدة أيام لبلوغ المشاعر المقدسة، أصبح اليوم أداء الشعيرة يتم بسهولة ولا يستغرق الوصول إلى أم القرى سوى ساعات من أي بقعة في العالم ، في رحلة أشبه بترفيه، في مخيمات راقية يؤدى فيها النسك وفق منظومة خدمية حديثة تدار بالحاسبات الآلية. مرزوق الحجري «أفنى أكثر من 40 عاما من عمره في طرق المملكة كسائق لنقل الركاب» عض على شفتيه متحسرا على ماض اعتبره زهرة شبابه وهو يسترجع ذكريات نقل الحجاج على الطرق القديمة للحج رغم قسوتها وتعبها لكنها بالنسبة له ورفاقه سالم الحربي وسعد الهذلي وحميد النمري تمثل لهم العودة لذكريات الشباب رغم شظف العيش الذي كانوا يغرقون فيه.
«لم يكن سائق الحافلة قديما مجرد سائق بل أشبه اليوم بقائد الطائرة» بهذه العبارة اختصر العم مرزوق الحجري أهمية السائق قبل أكثر من أربعين عاما ليضيف: لم يكن في العاصمة المقدسة سوى ثلاث شركات لنقل الحجاج، من أقدمها الشركة العربية وشركة الكعكي وشركة المغربي والتوفيق، وقد كان راتب السائق 300 ريال فقط خلال موسم الحج لكن سائقين كانوا يتحايلون برفع هذا المبلغ عن طريق تحميل الركاب بعد الإفراغ من إيصال الحجاج الملزمين بهم إلى مقار سكنهم في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
ويذكر حميد النمري أن أشهر المحطات التي كان أصحاب الحافلات يقصدونها هي الواقعة في بدر ورابغ ومستورة والفريش على طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة القديم ويقول : كنا نقضي ما بين سبع إلى تسع ساعات لقطع الطريق القديم، فكان لابد من الوقوف أكثر من مرة للراحة وتفقد الحافلة، فكانت ثمة محطات تقع على الطريق هي مظلة لاستراحة السائقين من وعثاء السفر حيث يستقبل «القهوجي» صاحب الحافلة بالترحيب ويصحبه إلى مركاز خاص، ليقدم له الشاي والعشاء الذي لا يخرج عن السمك الناجل أو الهامور مع الرز الأبيض تزينه قطع من البصل بدون مقابل يستريح الحجاج ويؤدون الصلوات ويتناولون الطعام، ثم نواصل المسير. أما هذه المحطات فهي عبارة عن مبان طينية وأخرى عشش تقف أمامها مضخات الوقود، التي عادة لا تزيد على ثلاث مضخات للبنزين والجاز، أما أجرة النقل فكانت تتراوح ما بين 20 إلى 25 ريالا.
مصادر تاريخية أرجعت تاريخ وصول السيارة إلى عام 1343هـ -1924م،وذلك من قبل السفراء والتجار في تنقلاتهم بين المدن. وكانت أول سيارة تسير بين رابغ ومكة التي أقلت مفتش الحج الهندي ،ومندوب السفارة البريطانية وقطعت المسافة بينهما في سبع ساعات وفي سنة 1345هـ - 1926م حصل رئيس إحدى البلديات في الهند أثناء زيارته لأداء فريضة الحج على تصريح خاص من حكومة المملكة يخوله السفر بالسيارة من جدة إلى المدينة المنورة، فقطع المسافة في 13 ساعة وذكر بعد عودته أن الطريق كله صالح لسير السيارات، ما عدا المسافة بين رابغ وآبار ابن حصاني، فأصدر الملك عبد العزيز أوامر بإصلاح تلك المسافة حتى يسهل السير فيها على السيارات.
وفي نجد كانت السيارات قليلة قبل عام 1343هـ، وعندما توجه الملك عبد العزيز في رحلته الأولى من نجد إلى الحجاز عام 1343هـ - 1924م، استقل السيارات من الرياض إلى الدرعية، وسار في طريق ممهد أزيلت الأحجار من وسطه لمرور السيارات.
ويقول عبد الله الحربي أحد كبار السائقين مع الملك عبد العزيز إن الملك أوفد رئيس سائقي القصر الملكي إلى أوروبا، لتفقد مصانع السيارات، واختبار المركبات فيها ، واختيار أقواها وأكثرها متانة، لتكون قادرة على اجتياز البوادي، وفي الحجاز اهتم الملك عبد العزيز براحة الحجاج، وتوفير سبل انتقالهم بيسر وسهولة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. فبعد أن أرسى الأمن في البلاد، بدأ في تعبيد طرق السيارات وكانت البداية بإصلاح الطرق بين مكة وجدة وتعبيدها.
ذكريات مطوف
ذكريات أربعين عاما في خدمة الحجاج في مكة المكرمة يسترجع ملامحها المطوف فاروق محمد أمين كاتب عاصر خلالها تاريخ خدمة الحجاج و ما طرأ عليها من تجديد، وداخل مكتب فاخر على غير عادة أسلافه يروي فاروق حديث الذكريات بقوله : أذكر أننا كنا نستقبل أفواج الحجاج من شهر رجب في كل عام إلى نهاية شعبان، حيث نقف مع الوالد على رصيف ميناء جدة لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين عن طريق البحر، وأذكر أن من أشهر تلك السفن (شمس) وسعتها 700 حاج، و(عرب) وسعتها 2000 حاج، وسفينة (حجاج) وسعتها 1000 حاج ،و تستغرق الرحلة من باكستان ما بين 20 إلى 25 يوما و تبدأ مراسم الاستقبال بتدخل الوكيل بحمل أمتعة الحجاج وتصعيدهم الحافلات من نوع أبو عنجرية والزيتوني لنقل الحجاج إلى المشاعر المقدسة في الوقت الذي يتهيأ المطوف بتجهيز مساكنهم التي عادة ما يستأجرها المطوف من أهل الحارة يفرغون بيوتهم لتأجيرها لضيوف الرحمن.
ويواصل فاروق حديثه قائلا : أول أعمال الحجاج بعد نزولهم الحارة، حفظ أمتعتهم في منزل المطوف الذي لا يخرج مكتبه عن كرويته بسيطة أمام منزله ثم يتجه الحجاج إلى الحرم المكي لأداء الطواف وأذكر أنه لا يسمح لأي شخص يمارس التطويف الا بطريقة رسمية ، و عادة ما يلبس الجبة المكية التي تميزه أمام الآخرين كما يسمح لابن المطوف بمرافقة الحجاج وتطويفهم وعليه ان يرتدي «البشت» كما أن أبناء المطوفين يقومون بحفظ أحذية الحجاج داخل كيس خاص من نوع «الدوت» وبعد أن يفرغ ضيوف الرحمن من أداء العمرة يتجهون إلى منزل المطوف حيث يعرض عليهم الغرف وعادة ما تفرش بالحنبل الشهير أما النساء في بيت المطوف فإنهن يقمن باستقبال النساء وتجهيز الطعام الذي لا يخرج عن الرز والإيدام والرز المحلى المعروف بـ «برز داء».
ويشير فاروق إلى ملمح مهم من ملامح تاريخ خدمات الحجاج وهي السؤال، أي يختار الحاج المطوف بمجرد وصوله موانئ الوصول وعادة ما كان المطوفون يسافرون إلى بلاد الحجاج، ويجوبون القرى والهجر للتسويق عن خدماتهم ،ولمدة تزيد على ستة أشهر وقد انتهت مرحلة السؤال في آخر التسعينات الهجرية وتحديدا 1398هـ.وإذا كان حجاج اليوم ينعمون بالسكن في الخيام المطورة فإنهم في الماضي كما يروي فاروق كانوا يسكنون في الخيام التي يبنيها المطوفون في عرفات ومنى ووصفها أنها من أصعب فترات الحج وأضاف: أذكر أن يوم التاسع من ذي الحجة يتحول إلى ملاسنات ومضاربات بسبب الخلافات التي تحدث بين المطوفين، حول المواقع مشيرا إلى أن وزارة الحج كانت توزع الأراضي على المطوفين في منى وينصب أبناء المطوفين الخيام وبناء دورات المياه وهي من أصعب الأيام حيث كانت الخيام تحمل عن طريق اللواري.
ولا زال فاروق يتذكر صورة مهمة من صور معاناة المطوفين في المشاعر، وهي نقل الحجاج من عرفات يوم التاسع إلى مزدلفة ،وذلك بسبب توقف الحافلات وسط الرمال وتعطلها كون أن أغلب الطرق رملية ويتذكر أيضا عام «الشوطة» وهي السنة الذي حدثت فيه حالات كبيرة من الوفاة بسبب ضربات الشمس حيث لم تعرف عرفات التشجير، فيما كانت الرمضاء تسقط المصابين لشدة الحرارة فيما كانت أغلب المخيمات في عرفات تقع ما بين مسجد نمرة وجبل عرفات.واعتبر أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور ناصر بن علي الحارثي أن المخلفات الحضارية الباقية من طرق الحج ،تعد بمثابة متاحف معاصرة تحتوي على بقايا أثرية ترتبط بنظم دفاعية أو زراعية أو صناعية، فعملية الارتداد الرجعي بمثابة خطوة واعية عبر الزمن يتم خلالها التعرف علي الأشياء غير المنظورة حاليا.
وقال إن الماضي بما اشتمل عليه من نظم وأحداث ومواقع إنما يتغلغل إلى الحاضر، ومن هنا تنبع أهمية حفظ هذا الركام وتصويره وإعداد دراسة طرق الحج ومحتوياتها، وما اشتملت عليه من قلاع وحصون وآبار ومحطات للراحة بين مكة والمدينة وجزيرة العرب من ناحية، وبقية أجزاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى، وأضاف من المؤكد أن دراسة أي إقليم بوضعه الحالي يمكن أن يمدنا بمفاتيح متعددة تشير إلى ماضيه والدراسة الحية على الواقع ربما تمدنا بما لا تحفظه الوثائق المدونة.
وشدد د. الحارثي على أن الآثار التي خلفتها طرق الحج في عصورها المختلفة، تعد شاهدا ماديا صادقا لحضارة خلفها أهلها تدل على مدى تراثهم الحضاري، وهذه الآثار قد تكون ثابتة غير قابلة للنقل مثل القلاع والحصون وخزانات المياه، أو قابلة للنقل مثل الفخاريات أو أدوات الزينة والقناديل والتحف النادرة، وهذه كلها سجلات مادية تدل على براعة صانعيها وحضارة مقتنيها، وتابع وبمزيد من التنقيب واكتشاف العديد من هذه الآثار يمكننا التعرف على تأثير قوافل الحج وأثر حرفة التجارة وطرقها في معظم أنحاء الإقليم والتعرف أيضا على أعمال الملوك والأمراء في المراحل المختلفة من تاريخ وحضارة طرق الحج.
«لم يكن سائق الحافلة قديما مجرد سائق بل أشبه اليوم بقائد الطائرة» بهذه العبارة اختصر العم مرزوق الحجري أهمية السائق قبل أكثر من أربعين عاما ليضيف: لم يكن في العاصمة المقدسة سوى ثلاث شركات لنقل الحجاج، من أقدمها الشركة العربية وشركة الكعكي وشركة المغربي والتوفيق، وقد كان راتب السائق 300 ريال فقط خلال موسم الحج لكن سائقين كانوا يتحايلون برفع هذا المبلغ عن طريق تحميل الركاب بعد الإفراغ من إيصال الحجاج الملزمين بهم إلى مقار سكنهم في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
ويذكر حميد النمري أن أشهر المحطات التي كان أصحاب الحافلات يقصدونها هي الواقعة في بدر ورابغ ومستورة والفريش على طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة القديم ويقول : كنا نقضي ما بين سبع إلى تسع ساعات لقطع الطريق القديم، فكان لابد من الوقوف أكثر من مرة للراحة وتفقد الحافلة، فكانت ثمة محطات تقع على الطريق هي مظلة لاستراحة السائقين من وعثاء السفر حيث يستقبل «القهوجي» صاحب الحافلة بالترحيب ويصحبه إلى مركاز خاص، ليقدم له الشاي والعشاء الذي لا يخرج عن السمك الناجل أو الهامور مع الرز الأبيض تزينه قطع من البصل بدون مقابل يستريح الحجاج ويؤدون الصلوات ويتناولون الطعام، ثم نواصل المسير. أما هذه المحطات فهي عبارة عن مبان طينية وأخرى عشش تقف أمامها مضخات الوقود، التي عادة لا تزيد على ثلاث مضخات للبنزين والجاز، أما أجرة النقل فكانت تتراوح ما بين 20 إلى 25 ريالا.
مصادر تاريخية أرجعت تاريخ وصول السيارة إلى عام 1343هـ -1924م،وذلك من قبل السفراء والتجار في تنقلاتهم بين المدن. وكانت أول سيارة تسير بين رابغ ومكة التي أقلت مفتش الحج الهندي ،ومندوب السفارة البريطانية وقطعت المسافة بينهما في سبع ساعات وفي سنة 1345هـ - 1926م حصل رئيس إحدى البلديات في الهند أثناء زيارته لأداء فريضة الحج على تصريح خاص من حكومة المملكة يخوله السفر بالسيارة من جدة إلى المدينة المنورة، فقطع المسافة في 13 ساعة وذكر بعد عودته أن الطريق كله صالح لسير السيارات، ما عدا المسافة بين رابغ وآبار ابن حصاني، فأصدر الملك عبد العزيز أوامر بإصلاح تلك المسافة حتى يسهل السير فيها على السيارات.
وفي نجد كانت السيارات قليلة قبل عام 1343هـ، وعندما توجه الملك عبد العزيز في رحلته الأولى من نجد إلى الحجاز عام 1343هـ - 1924م، استقل السيارات من الرياض إلى الدرعية، وسار في طريق ممهد أزيلت الأحجار من وسطه لمرور السيارات.
ويقول عبد الله الحربي أحد كبار السائقين مع الملك عبد العزيز إن الملك أوفد رئيس سائقي القصر الملكي إلى أوروبا، لتفقد مصانع السيارات، واختبار المركبات فيها ، واختيار أقواها وأكثرها متانة، لتكون قادرة على اجتياز البوادي، وفي الحجاز اهتم الملك عبد العزيز براحة الحجاج، وتوفير سبل انتقالهم بيسر وسهولة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. فبعد أن أرسى الأمن في البلاد، بدأ في تعبيد طرق السيارات وكانت البداية بإصلاح الطرق بين مكة وجدة وتعبيدها.
ذكريات مطوف
ذكريات أربعين عاما في خدمة الحجاج في مكة المكرمة يسترجع ملامحها المطوف فاروق محمد أمين كاتب عاصر خلالها تاريخ خدمة الحجاج و ما طرأ عليها من تجديد، وداخل مكتب فاخر على غير عادة أسلافه يروي فاروق حديث الذكريات بقوله : أذكر أننا كنا نستقبل أفواج الحجاج من شهر رجب في كل عام إلى نهاية شعبان، حيث نقف مع الوالد على رصيف ميناء جدة لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين عن طريق البحر، وأذكر أن من أشهر تلك السفن (شمس) وسعتها 700 حاج، و(عرب) وسعتها 2000 حاج، وسفينة (حجاج) وسعتها 1000 حاج ،و تستغرق الرحلة من باكستان ما بين 20 إلى 25 يوما و تبدأ مراسم الاستقبال بتدخل الوكيل بحمل أمتعة الحجاج وتصعيدهم الحافلات من نوع أبو عنجرية والزيتوني لنقل الحجاج إلى المشاعر المقدسة في الوقت الذي يتهيأ المطوف بتجهيز مساكنهم التي عادة ما يستأجرها المطوف من أهل الحارة يفرغون بيوتهم لتأجيرها لضيوف الرحمن.
ويواصل فاروق حديثه قائلا : أول أعمال الحجاج بعد نزولهم الحارة، حفظ أمتعتهم في منزل المطوف الذي لا يخرج مكتبه عن كرويته بسيطة أمام منزله ثم يتجه الحجاج إلى الحرم المكي لأداء الطواف وأذكر أنه لا يسمح لأي شخص يمارس التطويف الا بطريقة رسمية ، و عادة ما يلبس الجبة المكية التي تميزه أمام الآخرين كما يسمح لابن المطوف بمرافقة الحجاج وتطويفهم وعليه ان يرتدي «البشت» كما أن أبناء المطوفين يقومون بحفظ أحذية الحجاج داخل كيس خاص من نوع «الدوت» وبعد أن يفرغ ضيوف الرحمن من أداء العمرة يتجهون إلى منزل المطوف حيث يعرض عليهم الغرف وعادة ما تفرش بالحنبل الشهير أما النساء في بيت المطوف فإنهن يقمن باستقبال النساء وتجهيز الطعام الذي لا يخرج عن الرز والإيدام والرز المحلى المعروف بـ «برز داء».
ويشير فاروق إلى ملمح مهم من ملامح تاريخ خدمات الحجاج وهي السؤال، أي يختار الحاج المطوف بمجرد وصوله موانئ الوصول وعادة ما كان المطوفون يسافرون إلى بلاد الحجاج، ويجوبون القرى والهجر للتسويق عن خدماتهم ،ولمدة تزيد على ستة أشهر وقد انتهت مرحلة السؤال في آخر التسعينات الهجرية وتحديدا 1398هـ.وإذا كان حجاج اليوم ينعمون بالسكن في الخيام المطورة فإنهم في الماضي كما يروي فاروق كانوا يسكنون في الخيام التي يبنيها المطوفون في عرفات ومنى ووصفها أنها من أصعب فترات الحج وأضاف: أذكر أن يوم التاسع من ذي الحجة يتحول إلى ملاسنات ومضاربات بسبب الخلافات التي تحدث بين المطوفين، حول المواقع مشيرا إلى أن وزارة الحج كانت توزع الأراضي على المطوفين في منى وينصب أبناء المطوفين الخيام وبناء دورات المياه وهي من أصعب الأيام حيث كانت الخيام تحمل عن طريق اللواري.
ولا زال فاروق يتذكر صورة مهمة من صور معاناة المطوفين في المشاعر، وهي نقل الحجاج من عرفات يوم التاسع إلى مزدلفة ،وذلك بسبب توقف الحافلات وسط الرمال وتعطلها كون أن أغلب الطرق رملية ويتذكر أيضا عام «الشوطة» وهي السنة الذي حدثت فيه حالات كبيرة من الوفاة بسبب ضربات الشمس حيث لم تعرف عرفات التشجير، فيما كانت الرمضاء تسقط المصابين لشدة الحرارة فيما كانت أغلب المخيمات في عرفات تقع ما بين مسجد نمرة وجبل عرفات.واعتبر أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور ناصر بن علي الحارثي أن المخلفات الحضارية الباقية من طرق الحج ،تعد بمثابة متاحف معاصرة تحتوي على بقايا أثرية ترتبط بنظم دفاعية أو زراعية أو صناعية، فعملية الارتداد الرجعي بمثابة خطوة واعية عبر الزمن يتم خلالها التعرف علي الأشياء غير المنظورة حاليا.
وقال إن الماضي بما اشتمل عليه من نظم وأحداث ومواقع إنما يتغلغل إلى الحاضر، ومن هنا تنبع أهمية حفظ هذا الركام وتصويره وإعداد دراسة طرق الحج ومحتوياتها، وما اشتملت عليه من قلاع وحصون وآبار ومحطات للراحة بين مكة والمدينة وجزيرة العرب من ناحية، وبقية أجزاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى، وأضاف من المؤكد أن دراسة أي إقليم بوضعه الحالي يمكن أن يمدنا بمفاتيح متعددة تشير إلى ماضيه والدراسة الحية على الواقع ربما تمدنا بما لا تحفظه الوثائق المدونة.
وشدد د. الحارثي على أن الآثار التي خلفتها طرق الحج في عصورها المختلفة، تعد شاهدا ماديا صادقا لحضارة خلفها أهلها تدل على مدى تراثهم الحضاري، وهذه الآثار قد تكون ثابتة غير قابلة للنقل مثل القلاع والحصون وخزانات المياه، أو قابلة للنقل مثل الفخاريات أو أدوات الزينة والقناديل والتحف النادرة، وهذه كلها سجلات مادية تدل على براعة صانعيها وحضارة مقتنيها، وتابع وبمزيد من التنقيب واكتشاف العديد من هذه الآثار يمكننا التعرف على تأثير قوافل الحج وأثر حرفة التجارة وطرقها في معظم أنحاء الإقليم والتعرف أيضا على أعمال الملوك والأمراء في المراحل المختلفة من تاريخ وحضارة طرق الحج.